اقتصاددين وحياةسياحة وسفرسياسةعاجل

السفهاء والأنبياء

بقلم/ ناصر السلاموني

خلق الله الإنسان وجعله في أحسن تقويم، وكرّمه على سائر المخلوقات، فأمر الملائكة بالسجود لآدم تعظيمًا لصنع الله وقدرته، فامتثلوا جميعًا إلا إبليس، الذي كان من الجن، فاستكبر وعصى ربه، فكان من المطرودين. لكنه لم يستسلم، بل سأل الله أن يمهله ليغوي بني آدم، فكان جوابه:
﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴾ (الحجر: 37).
منذ ذلك الحين، بدأ الشيطان مهمته في إضلال البشر، فوسوس لآدم وحواء حتى أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فبدت لهما سوءاتهما، ثم تابا إلى الله، فغفر لهما، لكنه أنزلهما إلى الأرض لاختبار ذريتهما، كما قال تعالى:
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (الملك: 2).

وهكذا، انقسم البشر إلى مؤمنين صادقين، وكافرين جاحدين، ومنافقين يظهرون غير ما يبطنون. يقول الله تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة: 13).

وبالرغم من أن الله حذر الإنسان من عدوه الشيطان، إلا أن بعض الناس استسلموا له، بل وتحالفوا معه، كما قال سبحانه:
﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ (الجن: 6).

لكن من رحمته سبحانه، لم يترك عباده بلا هداية، بل أرسل إليهم رسلًا مبشرين ومنذرين، يحملون نور الوحي، ليخرجوا الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإيمان والتوحيد، ويرشدوهم إلى طريق الحق. قال تعالى:
﴿ رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ (النساء: 165).
وقد اصطفى الله أنبياءه من خيرة البشر، وجعلهم مثالًا في الصبر، والصدق، والأمانة، والحكمة، والعفو، فقال:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ (السجدة: 24).
لكن هؤلاء الرسل لم يسلموا من أذى أقوامهم، فالمكذبون على مر العصور كانوا يسخرون منهم، ويحاربون دعوتهم، ويتهمونهم بالسفاهة والضلال، كما قال قوم نوح له:
﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ (الأعراف: 60).
ولم تكن حجج الكافرين جديدة، فقد أنكرت الأمم السابقة البعث، وقالوا مستهزئين:
﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ (الصافات: 16).
كما تمسكوا بتقاليد آبائهم في عبادة الأصنام، ورفضوا اتباع الحق، فقال تعالى:
﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ (الزخرف: 22).
ولم يقتصروا على الإنكار، بل لجأوا إلى الطغيان والتنكيل بالمؤمنين، لكن الله كان لهم بالمرصاد.
نوح عليه السلام دعا قومه قرونًا، لكنهم كذبوه وسخروا منه، حتى جاء الطوفان فأغرقهم، ونجّى الله المؤمنين.
إبراهيم عليه السلام تحدى قومه وكسر أصنامهم، فحاولوا إحراقه، لكن الله أنجاه، فقال:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ (الأنبياء: 69).
موسى عليه السلام واجه فرعون المتجبر الذي ادعى الألوهية واستعبد بني إسرائيل، فكان عقابه الغرق في البحر، كما قال الله:
﴿ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا ﴾ (الإسراء: 103).
عيسى عليه السلام جاء مبشرًا ومصلحًا، فحاولوا قتله، لكن الله رفعه إليه.
أما خاتم الأنبياء محمد ﷺ فقد واجه قريشًا الذين اتهموه بالسحر والجنون، وقالوا:
﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ (الحجر: 6).
ورغم الأذى، استمر في دعوته حتى أتم الله النعمة وأكمل الدين، وفتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، كما قال تعالى:
﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ (النصر: 1-2).
لقد كانت عاقبة المكذبين عبرة لمن يعتبر، فقد أهلك الله الأمم الظالمة بأشكال مختلفة، قال تعالى:
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ﴾ (العنكبوت: 40).
أرسل الطوفان على قوم نوح.
والصيحة على ثمود.والريح العاتية على عاد.وخسف بقارون الأرض.وأغرق فرعون وجنوده.
لكن الله وعد بنصر المؤمنين، فقال:
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ (غافر: 51).
وقال النبي ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله” (رواه مسلم).
إن الصراع بين الحق والباطل مستمر، لكن العاقبة دائمًا للمتقين، لا للسفهاء الذين كذبوا الرسل واستكبروا عن قبول الحق.
فاللهم اجعلنا من أتباع أنبيائك، وثبتنا على الإيمان حتى نلقاك وأنت راضٍ عنّا، ولا تجعلنا من المكذبين الضالين.
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾ (آل عمران: 8).

Facebook Comments Box

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى