أين الأثرياء من الغارمين وفقراء المسلمين ؟! {استقيموا يرحمكم الله }
بقلم الإعلامي : حسين المصري
مما يروى في سير البر والإحسان أن امرأة ضاقت أحوال زوجها، فذهبت إلى أحد رجال بني أمية ميسور الحال، وطرقت الباب، فخرج أحد الخدم وقال لها: ماذا تريدين؟ فقالت: أريد أن أقابل سيدك، فقال من أنتِ؟ قالت: أخبره أنني أخته! الخادم يعلم أن سيده ليس عنده أخت، فدخل وقال لسيده: امرأة على الباب تدّعي أنها أختك، فقال: أدخلها فدخلت فقابلها بوجهٍ هاشٍّ باشٍّ مبتسم وسألها من أي إخوتي يرحمك الله؟ فقالت: أختك من آدم؛ فقال رحمٌ مقطوعة؛ والله سأكون أول من يصلها، فقالت: يا أخي ربما يخفى على مثلك أن الفقر مُرُّ المذاق، ومن أجله وقفت مع زوجي على باب الطلاق، فهل عندكم شيء ليوم التلاق؟ فما عندكم ينفد وما عند الله باق!.
قال لها: أعيدي؛ فقالت: يا أخي ربما يخفى على مثلك أن الفقر مرُّ المذاق، ومن أجله وقفت مع زوجي على باب الطلاق، فهل عندكم شيء ليوم التلاق؟ فما عندكم ينفد وما عند الله باق؛ قال: أعيدي، فأعادت الثالثة، ثم قال في الرابعة: أعيدي؛ فقالت: لا أظنك قد فهمتني والإعادة مذلة لي وما اعتدت ان أذل نفسي لغير الله.
فقال: والله ما أعجبني إلا حسن حديثك ولو أعدت ألف مرة لأعطيتك عن كل مرة ألف درهم، ثم قال لخادمه: أعطوها من الجمال عشرة ومن النوق عشرة ومن الغنم ما تشاء ومن الأموال فوق ما تشاء لنعمل شيئاً ليوم التلاق فما عندنا ينفد وما عند الله باق!.
حدثت تلك القصة في زمن ليس فيه أدوات تواصل ذكي وسريع ومواقع تواصل اجتماعي تنقل الحدث في نفس اللحظة، كما هو حال زماننا هذا الذي كثر فيه فاحشو الثراء، وتضاعف معه أعداد المعوزين والفقراء، زمان صار الناس فيه يتباهون بثرائهم الفاحش وفخامة بيوتهم ومزارعهم وشاليهاتهم وسياراتهم، ويتفننون في إظهار إسرافهم في موائدهم وكرمهم الحاتمي على الشبعان الذي لا يقل عنهم في الرصيد والتفاخر والتباهي بما يملكه!.
نعيش في زمان لم يعد يبالي فيه ميسورو الحال بالفقراء ومعدومي الدخل والغارمين، وصرنا نرى فيه الغارمين تمر عليهم الشهور والسنين وهم لا جدوى لمناجاتهم ودعوات تفريج كرباتهم إلا من الخالق عز وجل، فأين هم منفقو الخير وسادته وأهله؟! أيُعقل أنهم أصبحوا عملة نادرة وطوتهم الأقدار وانكفؤوا على أنفسهم بعدما تغيّرت الأحوال وأصبحت الألسن لا تذكر إلا المرائي الذي يسعى لكسب السمعة فقط ليُقال عنه أنه مُحسن ليصل إلى مبتغاه وأهدافه؟!.