اقتصاددين وحياةسياحة وسفرسياسةعاجل

الحركة المسرحية بمكناس: من زمن الرواد إلى زمن الانحدار

كتبت: الإعلامية نرجس قــدا ( المملكة المغربية)

لطالما كانت مكناس، العاصمة الإسماعيلية، منارة للإبداع المسرحي، مدينة شهدت على خشباتها تألقاً ذهبياً في الثمانينات والتسعينات. في تلك الحقبة، لم تكن الفرق المسرحية بحاجة إلى دعم مادي من أموال دافعي الضرائب لتزدهر. كان الجمهور نفسه هو الداعم الأكبر، بإقبال شغوف ومتعطش للفن. ومن رحم هذه الأجواء، ولدت فرق مثل “رواد الخشبة”، “المشعل”، و”جمعية الحي لفنون المسرح”، والتي عكست بفخر تركيبة مكناسية خالصة، تتكون من مؤلفين، ومخرجين، وممثلين، وعشرات من العاملين خلف الكواليس، مشكّلة فرقاً متماسكة تجاوز عدد أفرادها أحياناً العشرين.

اليوم، تحولت مكناس إلى “خشبة لمسارح العالم”، شعار رفعته فعالية مسرحية حديثة، ولكن مع الأسف، لا مكان لفرقها المحلية على هذه الخشبة. المدينة التي كانت رمزاً للإبداع المسرحي أصبحت شبه خالية من الفرق الاحترافية، رغم ما يُخصص من دعم مالي كبير من الوزارة والمجالس المنتخبة، والذي تجاوز 200 مليون سنتيم خلال السنوات الثلاث الأخيرة. هذا الدعم اقتصر على فرقة واحدة، هي “مسرح الشامات”، دون أن يثمر عن انبثاق فرق جديدة، بعكس مدن صغيرة كتاوريرت، وآزرو، والحسيمة، التي استطاعت خلق مشهد مسرحي نشط بدون أي دعم مالي يذكر.

إرثٌ مسرحي في خطر
ما يجعل هذا التراجع أكثر إيلاماً هو التاريخ العريق الذي تحمله مكناس في الحركة المسرحية المغربية. من بين أسمائها اللامعة، نجد الدكتور عبد الكريم المنيعي، أحد أعمدة النقد المسرحي ومؤسس الدرس المسرحي في المغرب، والدكتور عبد الرحمن بنزيدان، صاحب الإسهامات العلمية في المسرح، والراحل أحمد بنكيران، الذي كان رائداً في تجربة المختبر المسرحي عربياً. إلى جانب هؤلاء، نجد نجوم التمثيل والإخراج الذين يحملون بصمة مكناسية خالصة، مثل إدريس الروخ، وعبد الحق بلمجاهد، ووسيلة صبحي، وساندية تاج الدين.

لكن، كيف لمدينة أن تحتفظ بمكانتها المسرحية إذا ما توقفت عن دعم فرقها؟ يتساءل المسرحي مصطفى كمان، مؤسس جمعية الحي لفنون المسرح، عن غياب الدعم الحقيقي للفرق المسرحية، في حين يُغدَق بسخاء على مهرجانات موسمية لا تترك أي أثر مستدام. ويرى كمان أن توقف الجماعة عن منح دعمها السنوي المتواضع، والذي بالكاد كان يغطي نفقات الفرق، مثل آخر مسمار في نعش المسرح المكناسي.

الحاجة إلى صحوة مسرحية
في خضم هذا الواقع القاتم، هناك دعوات متجددة لإحياء الحركة المسرحية في مكناس. المسرحي إدريس بنوشان، أحد مؤسسي جمعية المشعل المسرحي، يدعو إلى إعادة استثمار التربة الخصبة التي أنجبت هذا الإرث العظيم، من خلال توفير دعم حقيقي ومستدام للفرق المحلية. من جهته، يرى المسرحي مصطفى كمان أن الحل يكمن في إعادة الجماعة لدورها في تمويل الجمعيات النشيطة، وإعطاء الأولوية للفرق المسرحية التي تعمل بجد على تأطير الشباب والأطفال.

مكناس اليوم بحاجة إلى صحوة مسرحية، تُعيد إليها وهجها المفقود. فالمدينة التي كانت موطناً للإبداع المسرحي تستحق أن تعود خشبةً حقيقية لفرقها، لا أن تكتفي بلقبٍ بلا مضمون. المسرح هو نبض الثقافة، وبدونه، تفقد المدينة روحها التي جعلتها يوماً منارة للإبداع والفكر.
و الآن يكرم عملاق المسرح احمد كمان خارج مدينته .

Facebook Comments Box

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى